التخطيط الاستراتيجي مفهومه وأهميته وأهدافه ومراحله الأساسية لتحقيق النجاح
إنّ العمل دون تخطيط يُعد إهدارًا للوقت والجهد في جل مجالات العيش، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالشركات والمؤسسات، إذ تسعى الشركات لإنجاز غاياتها بصورة ناجحة وبدون تبديد للوقت أو المال أو المقومات الثمينة لديها، حتى تتمكن من الازدهار الدائم وتحقيق المقصد الذي أُنشئت من أجله في المقام الأول.
نتطرق في هذا المقال لمفهوم التخطيط الاستراتيجي، ولماذا يشكّل أهمية بالغة في الكثير من الميادين وتحديداً للشركات، وما هو الغاية الأساسية منه، كما نُقدم لك بصورة مُفصَّلة كافة المراحل المتنوعة التي تجتازها العمليات التخطيطية بدءًا من معاينة الحال الراهن، ورسم الخطة الإستراتيجية، ووصولاً إلى فحص الخطة ومُحصّلاتها وإجراء التغييرات اللازمة عليها، فتابع مسيرتنا.
- مفهوم التخطيط الاستراتيجي
التخطيط الاستراتيجي ببساطة هو سُبل تحديد الأسبقيات، وتوزيع المُخصصات بما يُنجز الغايات المحددة، وفيه يتم تأسيس تكتيكات عمل مُعيّنة تتوافق مع منظور الشركة، وترميزها إلى مخططات عمل يتم نشرها على نطاق واسع بطريقة تضمن انخراط الفروع المختلفة للمؤسسة مثل المحاسبة، والمالية، والتسويق، والموارد البشرية، وسواها، في إتمام هذه المخططات والتكتيكات بشكل يُدفع بالشركة صوب إدراك غاياتها. كما تشتمل عملية التخطيط على تدقيق نتائج إنجاز هذه الخطة لمعرفة مدى فعاليتها وتكييفها عند اللزوم.
يُمكن الإقرار بأنّ التخطيط الاستراتيجي هو الدعامات الأساسية لأيّ شركة أو مؤسسة مُوفَّقة، فهو يُمثل خارطة الدروب التي تُرشد الشركة نحو النجاح، ولا شك في أنّه يستلزم قدراً كبيراً من التفكير والتحضير من لدن الفروع المعنية في الشركة، حيث لا يكتفي بالوصول لخطة إستراتيجية مُحتمل نجاحها وحسب، بل يجب أن تكون خطة يُمكِن تطبيقها بإنفاق معقول ومتناسق مع ميزانية المؤسسة، بحيث تتفادى الشركة أي مُعضلات مالية غير ضرورية.
- الفرق بين التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التكتيكي
وحتى نُجلي المفهوم بشكل إضافي، يجب فصله عن مفهوم التخطيط التكتيكي، فهما يتباينان في عُمق نطاق المقاصد المحددة في كل منهما، حيث تضع الخطة الإستراتيجية المقاصد الطويلة الأمد والواسعة الشمول، بينما تُحدد الخطة التكتيكية الخطوات والإجراءات القصيرة الأجل التي ينبغي اتخاذها لإدراك الغايات المُقررة في الخطة الإستراتيجية. وبذلك يُمكن القول بأنّ التخطيط التكتيكي هو جزء من الخطة الإستراتيجية.
- أنواع التخطيط الاستراتيجي
تتنوع مناهج التخطيط الاستراتيجي تبعاً لحجمه ومقصده وتفاصيل تنفيذه داخل المؤسسة. تشمل أنماط التخطيط الاستراتيجي ثلاثة مستويات رئيسية:
- التخطيط الاستراتيجي على مستوى الشركة:
يُركّز على تحديد التصور العام والأهداف العليا التي تطمح الشركة إلى تحقيقها ككل. يُغطي هذا النمط من التخطيط الاستراتيجي كافة فعاليات المؤسسة، ويسعى لدعم موقعها في السوق، وضمان استمراريتها على المدى البعيد. على هذا المستوى، تكون القرارات المتعلقة بالاستثمار، وتوسيع السوق، واقتحام مجالات جديدة، وتنمية الماركة هي الموضوعات المحورية.
- التخطيط على مستوى وحدات الأعمال:
يتعامل مع استراتيجيات الفروع أو الأجزاء المتنوعة في الشركة. يهدف إلى توزيع المقومات وتحقيق التميز ضمن هذه الفروع، بما يتوافق مع إستراتيجية المؤسسة الشاملة. تتضمن هذه الفروع الأجزاء المتخصصة مثل المبيعات والتسويق، وتطوير المؤنت، والمحاسبة، وإدارة الموارد البشرية، وغيرها. يُتيح هذا التخطيط لكل قسم إدراك مقاصده الخاصة بما يُساند التصور الأكبر للشركة.
- التخطيط الوظيفي:
يتعلق بأهداف وظيفية قصيرة ومتوسطة الأمد تختص بمهام مُعيّنة كالتسويق، والإنتاج، والتمويل. يُركّز على تقويم العمليات الداخلية وزيادة الفعالية في الأداء اليومي. يستلزم هذا التخطيط ملاءمة الجهود من قبل العاملين لضمان بلوغ الأداء الأفضل للمهمات اليومية، ورفع مستوى الإثمار وتلبية تطلعات الزبائن.
يُمكن لكل صنف من هذه الأصناف أن يعمل بكفاءة عند تطبيقه بشكل مُتكامل داخل المؤسسة. فالتخطيط الاستراتيجي الناجح يقتضي تناغماً بين هذه المستويات لإدراك أقصى منفعة من مقومات الشركة واستثماراتها، وإنجاز غاياتها على المدى الطويل.
- أهمية الخطة الاستراتيجية
ذكرنا أنّ التخطيط الاستراتيجي هو الدعامة الأساسية للشركات الناجحة، ولكن لِمَ؟ وما هي أهميته للشركات؟ يُمكننا الإجابة على ذلك في النقاط الآتية:
- تحديد رؤية بيّنة
يُعين التخطيط على تحديد تصور واضح يُركّز على غد الشركة، ويعمل على توحيد هذا التصور، بحيث يعمل كل من في الشركة بشكل متناغم على الخطة للوصول للمقاصد المحددة.
- صياغة تكتيكات أكثر جودة
يعتمد التخطيط على أسلوب سليم ومنهجي، وهو ما يُساندك على صياغة تكتيكات ومخططات أفضل، وقد تكون هذه النقطة هي الأكثر أهمية، إذ تُشير بعض الأبحاث أنّ عملية التخطيط بحد ذاتها تُسهم بشكل كبير في تحسين الإنجاز الكلي في المؤسسة، بغض النظر عن نجاح التكتيك أو إخفاقه.
- دعم التفاعل
تتضمن عملية التخطيط مُشاركة أصحاب العمل والمديرين والعاملين في الحوار والتقييم والتحضير، وهو ما يُعزز التداول فيما بينهم. كما يُعزز هذا من شعور العاملين بالجدوى والأهمية في نجاح الشركة.
- تتبع التقدم المُنجز
إنّ وجود خطة إستراتيجية مُرمَّزة على هيئة مخططات عمل بخُطوات واضحة يُيسّر عملية تتبع وتقدير التقدم المُحرز نحو الغايات الموضوعة، وهو ما يُساعدك في تقييم الأداء وتحديد ما ينبغي أن يتم تبديله وتحسينه.
- تحليل الشأن الداخلي والخارجي
لضمان جودة الخطة الإستراتيجية، من الضروري أن تعي العوامل المؤثرة على الشركة من داخلها وخارجها. تحليل الشأن الداخلي والخارجي هو عملية تستهدف فهم العناصر التي تؤثر على المؤسسة وسياستها. تشمل أدوات تحليل هذا الشأن ما يلي:
- أدوات تحليل
- تحليل SWOT:
يتضمن هذا التحليل أربع مكونات مُتأصلة:
- نقاط القوة (Strengths):
المكونات الداخلية التي تُميّز المؤسسة وتجعلها راسخة في السوق، كنماذج الإبداع أو شبكة التعاملات الواسعة.
- نقاط الضعف (Weaknesses):
مكونات داخلية تُنقص من فعالية المؤسسة، كشح المقومات أو عدم كفاءة التكنولوجيا المُستعملة.
- الفرص (Opportunities):
المكونات الخارجية المُحفّزة التي يُمكِن أن تدعم من وضع المؤسسة، كتوسع السوق أو وجود تقنيات حديثة.
- المخاطر (Threats):
المكونات الخارجية التي قد تُؤثر سلباً على ازدهار المؤسسة، كالتنافس أو التحولات التشريعية.
- تحليل PESTEL:
يُعتبر من الأدوات التي تُساعد في تحليل الشأن الخارجي من خلال النظر في العوامل السياسية، الاقتصادية، المجتمعية، التقنية، البيئية، والقانونية، التي قد تؤثر على المؤسسة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
يُسهم التحليل الشامل للشأن الداخلي والخارجي في معرفة الشركات لمواقع القوة والوهن، والمنافع والمخاطر، مما يُمكّنها من اتخاذ قرارات إستراتيجية ذكية تضمن لها البقاء والتفوق.
- التخطيط المالي في الإستراتيجية
التخطيط المالي ركن حيوي من التخطيط الاستراتيجي، إذ يسعى لتخصيص الموارد النقدية وتحديد كيفية استغلالها لإنجاز الغايات المأمولة. يقوم التخطيط المالي على وضع ميزانية مُفصَّلة تشمل النفقات المُتطلبة لتنفيذ الفعاليات المحددة ضمن الخطة الإستراتيجية.
- يشمل التخطيط النقدي الإستراتيجي:
- وضع ميزانية مُنسجمة مع الإستراتيجية:
تحدد الميزانية تقديرات الكلفة لكل قسم أو وحدة عمل وتأخذ في الحسبان توزيع المقومات حسب الأسبقيات والاحتياجات.
- تدقيق الكلف والموارد المالية:
يُساعد هذا التدقيق في تحديد مدى الرِبح وتوزيع المصاريف والواردات، مما يُسهم في تحسين توزيع المقومات.
- الضبط المالي:
يتطلب الضبط المالي مُتابعة نفقات المؤسسة بصورة دورية للتأكد من إدراك الغايات دون تجاوز الميزانية.
يُعد التخطيط المالي عنصراً مفتاحياً يضمن للمؤسسة كفاءة الإنفاق وتأمين موارد كافية لإدراك غاياتها الإستراتيجية، ويُسهم في تعزيز استقرار المؤسسة المالي واستدامتها.
- أهداف الخطة الاستراتيجية
إنّ الغاية الأساسية من التخطيط الاستراتيجي هو تحديد المقاصد الطويلة المدى، وتعيين أنجع السبل ورسم الخطط لإدراكها، فهو ينطوي على تقييم الإنجاز الحالي وطرح سؤال “إلى أين أتجه، وكيف يُمكِنني بلوغ غاياتي المرجوة؟”. كما يهدف التخطيط إلى ربط ثلاثة محاور رئيسية:
الرسالة: تحديد غرض أعمالك.
الرؤية: وصف ما تَسعى لإنجازه.
الخطة: تُحدد كيف تَرْنو لإنجاز مقاصدك طويلة المدى.
- مراحل تطوير خطة استراتيجية ناجحة
بعد أن اطلعت على مفهوم التخطيط الاستراتيجي وأهميته وغاياته، لا بد أنّك تستفسر كيف تضع خطة استراتيجية في مؤسستك لتحديد أهداف واضحة وتوجيه فريقك نحو الازدهار؟ للإجابة على ذلك؛ إليك مراحل تطوير خطة استراتيجية مُجْدية فيما يأتي:
- تقييم الوضع الحالي
تُمثل هذه المرحلة الأساس للخطة الإستراتيجية، فقبل أن تتمكن من إنشاء خطة إستراتيجية جيدة، تحتاج أولاً إلى تقييم الحال الراهن في المؤسسة وفهمه بشكل شامل، ويُمكنك القيام بذلك بالاستعانة بالتحليل الرباعي (SWOT) والذي يتضمن تحديد وتقييم نقاط القوة ونقاط الضعف والمنافع والمخاطر المحيطة بمؤسستك، وبذلك يُمكنك تعيين الجوانب التي تتفوق فيها والجوانب التي تستدعي التطوير والتحسين. كما تشتمل هذه المرحلة على تحديد وتقييم قدرات المؤسسة لمراعاتها عند رسم الخطة والمقاصد.
- تحديد المقاصد
يُمكنك بعد معاينة وضع المؤسسة تعيين الغايات التي ترغب في بلوغها من خلال خطتك الإستراتيجية، حيث يُسعدك في ذلك التحليل الذي أجريته في المرحلة السابقة، فبعد معرفتك بنقاط الوهن مثلاً، يُمكِنك تحديد أهداف ومقاصد من شأنها تحسين جوانب الضعف لديك، وبعد معرفتك بالمنافع المُتاحة، يُمكِنك تحديد أهداف من شأنها اقتناص تلك المنافع والاستفادة منها. ومن الجدير بالذكر أن تكون الأهداف التي تُحددها مُتطابقة مع منظور المؤسسة، كما يجب أن تكون قابلة للتقدير بحيث تُساعدك على فحص مدى نجاح الخطة فيما بعد.
- وضع الاستراتيجيات وخطط العمل
يُمكنك الشروع في وضع التكتيكات بمُجرد تعيين مقاصدك. ويتوجب عليك صياغة هذه التكتيكات بما يتلاءم مع غاياتك ويضمن إنجازها. وتتضمن هذه المرحلة تحديد المُبادرات والمُنشآت الرئيسية التي ستقود مؤسستك نحو النماء.
- ترميز التكتيكات إلى مخططات عمل
تتمثل المرحلة الرابعة في تجزئة كل تكتيك مرسوم إلى مخططات عمل بيّنة، تحتوي كل منها على خطوات واضحة وقابلة للتطبيق. كما تشتمل هذه المرحلة على إسناد المهام وتوزيعها، وتحديد الإطار الزمني والمواعيد النهائية للمخططات.
- مُتابعة التقدم وإجراء التكييفات
بعد توزيع المهام والأدوار وتحديد المواعيد الزمنية لمخططات العمل، يجب عليك مُراقبة التقدم المُحرز في خطتك الإستراتيجية بصورة دورية، حتى تتأكد من سيرك في الاتجاه الصائب نحو إدراك غاياتك. تابع أداء المخططات التي وضعتها، وفي حال تبين لك من خلال المُتابعة وجود بعض التكتيكات التي لا تُحقق النتائج المرغوبة، عليك بتكييفها حسب الحاجة.
- مراجعة الخطة وتجديدها
إنّ التخطيط الاستراتيجي عملية مُتواصلة، حيث يُمكِن أن تتبدل الظروف، أو تظهر منافع أو تحديات جديدة، ولذلك يجب عليك تفحص خطتك باستمرار وتجديدها متى تطلب الأمر. ويُعينك في ذلك التغذية المُرتدة المُستمرة، وتنظيم تقييمات مُتكررة بهدف مُعاينة فعالية المخطط وإجراء أي تعديلات ضرورية.
- في الختام:
لا بدّ أنّه قد تبلورت لديك رؤية واضحة حول ماهية التخطيط الاستراتيجي وضرورته، وأصبحت تدرك لماذا تعتمد عدّة شركات على التخطيط الاستراتيجي لبلورة الخطط والبرامج التنفيذية الخاصة بها، فبالرغم من أنّ التخطيط قد يستلزم كمًّا كبيرًا من الوقت والجهد والمال، إلا أنّ المخطط الاستراتيجي المتقن يُعزّز من ازدهار المؤسسة، وإنجاز الغايات، ورضا العاملين، بل ويدّخر الكثير من الوقت الذي قد يُهدر في العمل دون خطة واضحة وغايات مُتقنة.